أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أن البنك المركزي الأمريكي يستعد لخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر. ويأتي قرار الفيدرالي بمواصلة دورة خفض الفائدة رغم محدودية وضوح الصورة الاقتصادية بسبب استمرار الإغلاق الحكومي الذي دخل أسبوعه الثالث، ما أدى إلى تعليق نشر البيانات الاقتصادية الأساسية، إلى جانب تجدّد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
توقّع خفض سعر الفائدة
خلال كلمته في الاجتماع السنوي للرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال في ١٤ أكتوبر، قال رئيس الفيدرالي جيروم باول إن البنك في طريقه لخفض أسعار الفائدة بمقدار ٢٥ نقطة أساس في الاجتماع القادم للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في ٢٩ أكتوبر. وأشار إلى أن وتيرة خفض الفائدة لم تكن ثابتة، إذ تم تنفيذ الخفض السابق في سبتمبر بعد تباطؤ التوظيف في الصيف، عقب خفض آخر جرى في ديسمبر ٢٠٢٤.
وأوضح باول أن النظرة الاقتصادية لم تتغير كثيرًا منذ اجتماع سبتمبر، حين توقّع صانعو السياسة في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خفضين إضافيين للفائدة خلال عام ٢٠٢٥ بمقدار ٢٥ نقطة أساس لكل منهما. ومع ذلك، لا يزال الانقسام قائمًا بين أعضاء اللجنة، إذ يدعو تسعة من أصل ١٩ عضوًا إلى خفض واحد إضافي أو إلى عدم خفض الفائدة إطلاقًا خلال ٢٠٢٥. ⁽١⁾
وفي حين ظلّ معدل البطالة مستقرًا عند ٤٫٣٪ في أغسطس، حذّر باول من أن المزيد من التراجع في عدد الوظائف الشاغرة قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة، مشيرًا إلى أن السياسة النقدية ستتّسم بالحذر في هذه المرحلة.
احتمال إنهاء التشديد الكمي وتغييرات في الميزانية العمومية
أشار باول أيضًا خلال خطابه إلى أن الفيدرالي يقترب من مرحلة سيتوقف فيها عن تقليص حجم حيازاته من السندات، في إشارة إلى نهاية عمليات التشديد الكمي، لكنه لم يحدد موعدًا لذلك بعد. ⁽٢⁾
وأضاف أن ظروف السيولة بدأت تتقلّص، ما يشير إلى أن تقليص الميزانية العمومية قد يقترب من نهايته، لكنه أكد أن الفيدرالي لن يعود إلى مستوى ما قبل جائحة كورونا البالغ ٤ تريليونات دولار، موضحًا أن نظام “الاحتياطيات الزائدة” لا يزال فعالًا كإطار للسياسة النقدية. ⁽٣⁾
كما عبّر باول عن قلقه بشأن مدفوعات الفائدة على احتياطيات البنوك، في ظل مقترح من وزير الخزانة سكوت بِسِنت والسيناتور تيد كروز بإنهاء دفع الفائدة على الدين الحكومي. وحذّر باول من أن هذه الخطوة ستكون خطأً كبيرًا، لأنها ستقوّض قدرة الفيدرالي على التحكم بأسعار الفائدة وإدارة الاقتصاد. ⁽٤⁾
استمرار الإغلاق الحكومي يؤخر البيانات الاقتصادية
زاد الإغلاق الحكومي المستمر من تعقيد رؤية الفيدرالي وصعوبة اتخاذ قراراته، إذ أدى إلى تأخير نشر بيانات اقتصادية رئيسية. وأعلن مكتب إحصاءات العمل تأجيل صدور تقرير الوظائف لشهر سبتمبر، لكنه أكد أن تقرير مؤشر أسعار المستهلك (CPI) سيُنشر في ٢٤ أكتوبر. ⁽٥⁾
وأشاد باول بأهمية البيانات الحكومية، لكنه أشار إلى أن الفيدرالي بدأ يعتمد على مصادر من القطاع الخاص لسدّ الفجوة. وأوضح أن غياب البيانات يزيد من خطر الأخطاء في السياسة النقدية، إذ يكافح الفيدرالي لتحديد مسار الاقتصاد في ظل نقص المعلومات. ⁽٦⁾
ويُعد تأخير نشر البيانات الاقتصادية مشكلة حقيقية في ظل التزام الفيدرالي بمهمتيه المزدوجتين: استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف، ما يشير إلى أن كليهما في خطر حاليًا. فلا تزال معدلات التضخم أعلى من هدف الفيدرالي البالغ ٢٪، بينما تواصل مؤشرات سوق العمل إظهار علامات ضعف.
تفاعل الأسواق
شهدت الأسواق تقلبًا في ١٥ أكتوبر مع تفاعلها مع التصريحات المائلة للتيسير من الفيدرالي ومع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فقد أنهى كل من مؤشر S&P 500 وNasdaq 100 الجلسة على ارتفاع بعد تقلبات في بدايتها، مدعومين بنتائج أرباح قوية من البنوك الكبرى مثل JP Morgan وGoldman Sachs وBank of America. كما تداول مؤشر Russell 2000 بالقرب من أعلى مستوياته التاريخية عند ٢٬٥٣٠ نقطة.
ضغوط اقتصادية وجيوسياسية أوسع
يواجه الفيدرالي أيضًا ضغوطًا اقتصادية وجيوسياسية متزايدة، إذ تؤدي عودة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى زيادة تقلبات السوق. وفي أعقاب العقوبات التي فرضتها الصين على خمس شركات أمريكية تابعة لشركة بناء السفن الكورية الجنوبية Hanwha، يدرس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض قيود تجارية إضافية على الصين بسبب رفضها شراء فول الصويا الأمريكي.
وتجعل هذه التطورات من الصعب على الفيدرالي إدارة الاقتصاد، لأن اضطرابات التجارة قد تُغذي الضغوط التضخمية أو تضرّ بالنمو الاقتصادي. كما يسعى البيت الأبيض لتأمين التمويل اللازم لقوات الأمن والجيش بينما يستعد الرئيس ترامب للإعلان عن قائمة من تخفيضات الميزانية المستهدفة للوكالات الفيدرالية. ⁽٧⁾
وعليه، يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يتوخى الحذر أثناء استعداده لاجتماع أكتوبر. فالمخاوف من تدهور سوق العمل تنعكس في توقعات خفض الفائدة، لكن التحديات الكبرى المتمثلة في التوترات الجيوسياسية، وتأخر البيانات الاقتصادية، واستمرار التضخم، ونقص المعلومات تجعل مهمة الفيدرالي أكثر تعقيدًا.