يواجه الدولار الأمريكي مسارًا غير مؤكد بعد تعافيه من أدنى مستوياته منذ مارس ٢٠٢٢. فالعملة الأمريكية محاصرة بين تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وسياسات الرئيس ترامب، والبيانات الاقتصادية المتضاربة.
وقد ارتفع الطلب على الدولار كملاذ آمن منذ تصاعد التوترات العسكرية في الشرق الأوسط في ١٣ يونيو، لكن سياسات الرسوم الجمركية التي يتبعها الرئيس ترامب، والتي خلقت حالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وأثارت مخاوف مالية داخل الولايات المتحدة، قد تؤدي إلى إضعاف الدولار لاحقًا.
التوترات الجيوسياسية وجاذبية الدولار المحدودة كملاذ آمن
في يوم الجمعة الماضي، تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة عسكرية. وسجّل مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعًا بنسبة ٠.٩٪، وهو أكبر صعود يومي خلال شهر، مع توجه الأسواق نحو الأصول الآمنة مثل الدولار، والذهب، والفرنك السويسري، والين الياباني.
ورغم هذه المكاسب قصيرة الأجل، بدأت الأسواق تتساءل عما إذا كان الدولار قادرًا على الحفاظ على جاذبيته كملاذ آمن على المدى الطويل.
فمن الناحية التاريخية، يُعتبر الدولار عملة ملاذ آمن خلال فترات الاضطرابات الجيوسياسية أو الأزمات المالية.
إلا أن هذه الجاذبية قد تبدأ في التراجع في ظل استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بالسياسات المالية الأمريكية والتقلبات في التجارة العالمية.

المصدر: TradingView – أداء مؤشر الدولار الأمريكي منذ عام ٢٠٢٢
سياسات ترامب التجارية تضغط على الدولار
أدت السياسات التجارية المتشددة للرئيس ترامب إلى تغيير في توجهات المستثمرين تجاه الأصول الأمريكية. فقد انخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة ٩٪ منذ بداية العام، ليعود إلى مستويات مارس ٢٠٢٢.
وقد أدت التهديدات الأحادية بفرض رسوم جمركية على دول أخرى، إلى جانب تراجع الثقة في إتمام اتفاق تجاري مع الصين، إلى زيادة القلق في الأسواق المالية.
وانخفض كل من سندات الخزانة والدولار الأمريكي بعد إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية في “يوم التحرير”، وهو تأثير وُصف بغير المعتاد من قبل وزيرة الخزانة السابقة جانيت يلين.
وقد تكهّن البعض بأن الصين بدأت ببيع سندات الخزانة كرد انتقامي، مما زاد من الضغوط على الدولار.
هذه التطورات أثارت تساؤلات حول دور الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي، ومكانة الدولار كعملة احتياطية دولية. ⁽١⁾
مخاطر التضخم وضغوط الاحتياطي الفيدرالي
مع تراجع التضخم، خفّت الضغوط السعرية، مما قد يؤدي إلى مزيد من تخفيضات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
إلا أن استمرار ترامب في فرض الرسوم قد يؤدي إلى عودة ارتفاع التضخم خلال عامي ٢٠٢٥ و٢٠٢٦، مما يعقّد قرارات الفيدرالي بشأن السياسة النقدية.
كما أن التوترات في الشرق الأوسط، والتي رفعت أسعار النفط، زادت من المخاوف التضخمية، وقد تدفع الفيدرالي إلى اتخاذ موقف أكثر حذرًا بشأن أسعار الفائدة. ⁽٢⁾
هل يفقد الدولار هيمنته العالمية؟
أثار تراجع الدولار وسط التحديات العالمية نقاشات حول مفهوم “نزع الدولرة”، وبدأ بعض المحللين في التساؤل عما إذا كانت العملة الأمريكية تفقد مكانتها كعملة احتياطية عالمية.
ويتجه مؤشر الدولار (DXY) نحو تسجيل تراجع أسبوعي بنسبة تقارب ١٪، وهو الأكبر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، مع تسجيل خسائر أمام الين، والفرنك السويسري، واليورو.
وقد عبّر المستثمرون عن مخاوفهم بشأن آفاق الاقتصاد الأمريكي ودور الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي، خاصة في ظل السياسات التي يتبعها الرئيس ترامب. ⁽٣⁾
العملات الرقمية قد تعزز دعم الدولار
مع ذلك، فإن انفتاح الحكومة الأمريكية على تبني العملات الرقمية قد يعيد بعض الدعم للدولار الأمريكي.
فقد صوت مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي لصالح المضي قدمًا في مشروع قانون GENIUS Act، والذي يُمهّد لوضع إطار قانوني للعملات المستقرة (Stablecoins)، ليقترب خطوة من أن يصبح قانونًا نافذًا. ⁽٤⁾
ويتفق المحللون على أن اعتماد العملات المستقرة المدعومة من الخزانة الأمريكية بشكل أوسع قد يعزز الطلب على الدين الحكومي الأمريكي، وهو ما قد يدعم بدوره الطلب على الدولار. ⁽٥⁾