أثبت الاقتصاد الأمريكي في عام 2024 أنه مزيج من المرونة والتحديات، مما يعكس تعقيدات الديناميكيات العالمية المتطورة. وفي حين دعم الإنفاق الاستهلاكي القوي واستثمارات الأعمال والإنفاق الحكومي النمو المستقر، شكل التضخم المستمر، وتقلب الأسواق، والسياسات النقدية الحذرة عقبات ملحوظة.
لعبت جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الاقتصادي للعام. فيما يلي نظرة عن كثب على أداء الاقتصاد الأمريكي في عام 2024، مع تسليط الضوء على التطورات والاتجاهات الرئيسية.
النمو الاقتصادي
حافظ الاقتصاد الأمريكي على مسار نمو مستقر، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي قدره 2.8٪ في الربع الثالث. وقد كان هذا النمو مدفوعًا إلى حد كبير بالإنفاق الاستهلاكي الذي ظل محركًا أساسيًا للنشاط الاقتصادي، إلى جانب زيادة الصادرات واستثمارات الحكومة الفيدرالية والإنفاق القوي على رأس المال التجاري.
المصدر: Trading Economics
يُظهر الرسم البياني أن الاقتصاد الأمريكي حقق نموًا طفيفًا في الربع الأول من عام 2024، ثم انتعش بأرقام قوية لاحقًا.
ظل سوق العمل نقطة أمل، حيث بقيت البطالة عند مستويات منخفضة تاريخيًا. وساهم خلق فرص العمل في قطاعات رئيسية مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا والبناء في استقرار دخل الأسر وتعزيز ثقة المستهلكين.
ومع ذلك، بدأت وتيرة نمو الأجور في التباطؤ مع اقتراب نهاية العام، حيث اعتمد أصحاب العمل نهجًا حذرًا وسط ارتفاع التكاليف وعدم اليقين بشأن الطلب المستقبلي.
السياسة النقدية
لعبت السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي دورًا أساسيًا في تشكيل النتائج الاقتصادية لعام 2024. ففي ديسمبر، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى نطاق يتراوح بين 4.25٪ إلى 4.50٪، مما يشير إلى تحول نحو سياسة أقل تقييدًا.
ومع ذلك، فإن الرسائل الحذرة للبنك المركزي بشأن تخفيضات إضافية محتملة لأسعار الفائدة في عام 2025 خففت من توقعات السوق، وشدّدت على اتباع نهج متوازن لإدارة التضخم ودعم النمو.
المصدر: Trading Economics
بدأت أسعار الفائدة الأمريكية في الارتفاع منذ عام 2022 واستقرت من يوليو 2023 حتى سبتمبر 2024، حيث قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض غير متوقع لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس.
ويبقى التضخم المستمر مصدر للقلق، حيث يُتوقع أن تظل معدلاته فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2٪ حتى عام 2025. وأثرت التكاليف المرتفعة للإسكان والطاقة والخدمات على ميزانيات الأسر، على الرغم من ملاحظة بعض التخفيف في انخفاض أسعار السلع والنقل.
وقد سلطت الجهود التي بذلها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق التوازن بين كبح التضخم والحفاظ على الزخم الاقتصادي، الضوء على مدى تعقيد البيئة الاقتصادية.
الأسواق المالية
شهدت الأسواق المالية تقلبات شديدة طوال عام 2024، مما يعكس عدم اليقين بشأن السياسة النقدية والظروف الاقتصادية العالمية.
سجل سوق الأسهم الأمريكية نموًا كبيرًا، حيث حقق مؤشر ستاندرز آند بورز 500 عائدًا سنويًا بلغ حوالي 26.47٪ بحلول نوفمبر. وقد كان هذا الارتفاع مدفوعًا بشكل كبير بما يُعرف بـ “السبعة الرائعون” من شركات التكنولوجيا مثل آبل ومايكروسفت وآمازون وآلفابت وميتا بلاتفورمز وتسلا وانفيديا.
ومع ذلك، واجه السوق أيضًا تقلبات، على سبيل المثال، في 18 ديسمبر، سجلت المؤشرات الرئيسية مثل ستاندرز آند بورز 500 ومؤشر ناسداك المركب بعض من أكبر خسائرها السنوية بعد إشارات من بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن نهج أكثر حذرًا لخفض أسعار الفائدة في عام 2025.
كما شهد الدولار الأمريكي تقلبات كبيرة، حيث ارتفعت قيمته مقابل العملات الرئيسية مثل اليورو والين الياباني، متأثرًا بارتفاع عائدات السندات الأمريكية والسياسات الاقتصادية. وقد شكلت هذه القوة تحديات أمام الشركات الأمريكية ذات الإيرادات الدولية الكبيرة، حيث تُرجمت الأرباح الأجنبية إلى دولارات أقل، مما أثر على الأرباح الإجمالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن النهج الحذر الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي تجاه تخفيضات أسعار الفائدة، بهدف التخفيف من مخاطر التضخم، قد دعم قيمة الدولار بشكل أكبر.
وصلت أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجلت أعلى مستوى تاريخي عند 2734 دولارًا للأونصة في أكتوبر. وكان هذا الارتفاع، الذي يمثل زيادة بنسبة 29.96% عن العام السابق، مدفوعًا بعوامل مثل مشتريات البنك المركزي وطلب المستثمرين والشكوك الاقتصادية.
تراجع الذهب في ديسمبر 2024 نتيجة البيانات الاقتصادية القوية للولايات المتحدة وتوجه الاحتياطي الفيدرالي المتشدد، الأمر الذي عزز الدولار الأمريكي.
على الرغم من قوة الدولار الأمريكي، التي تؤثر عادة سلبًا على أسعار الذهب، إلّا أن المعدن الثمين حافظ على مساره التصاعدي، مما يؤكد دوره كملاذ آمن وسط التقلبات الاقتصادية العالمية.
المصدر: Trading Economics
ويوضح الرسم البياني مقارنة أداء الدولار الأمريكي والذهب في عام 2024.
الخاتمة
شهد الاقتصاد الأمريكي في عام 2024 توازنًا بين النمو والتحديات والفرص. بينما دعمت الأنشطة الاستهلاكية القوية وانخفاض البطالة مرونة الاقتصاد، فإن ضغوطات التضخم وتقلّبات الأسواق فرضت تحديات مستمرة.
ويشير النهج النقدية المدروس الذي اتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع السياسة النقدية إلى التزامه بالحفاظ على استقرار الاقتصاد وسط ديناميكيات معقدة. ومع دخول البلاد عام 2025، يظل التركيز على الحفاظ على النمو معمعالجة التضخم وتعزيز أسس الازدهار على المدى الطويل.
