تشهد أسواق السندات في الولايات المتحدة وأوروبا اضطرابات حادة نتيجة تصاعد المخاوف من حرب تجارية وتهديدات متبادلة بفرض رسوم جمركية. وقد ارتفعت عائدات السندات الحكومية الأمريكية بعد أن فقدت معظم مكاسبها منذ أغسطس 2024.
لا يزال المستثمرون يحاولون تقييم احتمالات حدوث ركود اقتصادي وتوجهات السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي. في الوقت نفسه، يستعد الاتحاد الأوروبي لإصدار سندات بقيمة 7 مليارات يورو لمواجهة حالة الغموض المرتبطة بالرسوم الجمركية.
ارتفاع عائدات السندات الأمريكية طويلة الأجل بعد موجة بيع تاريخية
تعرّضت سندات الحكومة الأمريكية لضربة قوية يوم الاثنين، ما أدى إلى محو جزء من أكبر مكاسب أسبوعية لها منذ أغسطس. وأسفرت عمليات البيع عن ارتفاع العائدات عبر جميع آجال الاستحقاق بما لا يقل عن 20 نقطة أساس، حيث قفزت عائدات السندات لأجل 30 عاماً بنحو 23 نقطة أساس في نهاية التداولات، وهو أكبر ارتفاع يومي منذ مارس 2020.
جاء هذا التحول في الوقت الذي أظهر فيه المستثمرون علامات على استعادة شهيتهم للمخاطرة، نتيجةً للارتفاع الطفيف في أسواق الأسهم.⁽¹⁾
ويُعتبر تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية الأسبوع الماضي السبب الرئيسي وراء هذه التقلبات، حيث نفى البيت الأبيض وجود أي هدنة لمدة 90 يوماً، مما زاد من حالة عدم اليقين رغم تصريحات ترامب عن تقدم في المفاوضات مع المسؤولين اليابانيين. ⁽²⁾

عائدات السندات الحكومية الأمريكية لأجل 30 عامًا: المصدر: ترايدنج فيو
تقلّبات في رهانات السوق على خفض أسعار الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي
بدأ المتداولون في تعديل توقعاتهم بشأن إجراءات السياسة النقدية للفيدرالي في عام 2025، حيث تراوحت الرهانات على عدد التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة بين ثلاث إلى خمس تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها. واعتبارًا من يوم الاثنين، تم احتساب أربعة تخفيضات في عقود مقايضة أسعار الفائدة لليلة واحدة، مع توقع أول تخفيض بالكامل في يونيو. ويُقدر احتمال خفض أسعار الفائدة في مايو حاليًا بنسبة 50%.
في وقت سابق من اليوم، كانت التوقعات تشير إلى خمس تخفيضات وحتى احتمال خفض طارئ قبل اجتماع مايو، وهو سيناريو لم يُشهد منذ أزمة كورونا في 2020. ومع ذلك، تلاشت هذه التوقعات مع مرور اليوم. ⁽³⁾
كما صرّح رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأسبوع الماضي أن البنك المركزي لن يتسرع في الاستجابة لأخبار الرسوم الجمركية أو تقلبات الأسواق، مشيراً إلى أن التضخم لا يزال أعلى من هدف 2%.
تزايد المخاوف من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة
بسبب حالة عدم اليقين المحيطة بالرسوم الجمركية، لا يزال خطر الركود يلوح في الأفق. ووفقاً لما ذكره كبير الاقتصاديين في جي بي مورغان تشايس، مايكل فيرولي، فإن البنك يتوقع تباطؤاً اقتصادياً هذا العام، مع بدء الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في يونيو واستمرارها حتى يناير 2026.
وعبّر الرئيس التنفيذي للبنك، جيمي ديمون، عن هذه المخاوف يوم الاثنين، داعياً إلى حل سريع للصراع حول الرسوم الجمركية. ⁽⁴⁾
من جانبه، حذّر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أوستان جولسبي، في مقابلة مع سي إن إن من أن الرسوم الكبيرة والإجراءات الانتقامية قد تعطل سلاسل التوريد وتُعيد التضخم إلى مستويات 2021-2022، عندما بلغت الأسعار أعلى مستوياتها خلال أربعة عقود. ⁽⁵⁾
وقد تراجعت الأسواق العالمية منذ إعلان الرسوم الجديدة، حيث خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 9.5% منذ 2 أبريل، نتيجة خطط ترامب العدوانية وفرض دول مثل الصين لرسوم مضادة.
وكان الفيدرالي قد خفض أسعار الفائدة بنقطة مئوية كاملة في أواخر 2024، لكنه أبقاها مستقرة خلال 2025، مع اتباع نهجاً قائماً على المراقبة والانتظار لتقييم تأثير الرسوم الجمركية. ⁽⁶⁾
سندات الاتحاد الأوروبي تدخل خط المواجهة
على الجانب الأوروبي، تشهد أسواق السندات تقلبات مُماثلة.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء عن خطط لجمع 7 مليارات يورو من خلال إصدارين حاليين: 5 مليارات يورو من سنداته بنسبة فائدة 2.625% المستحقة في يوليو 2028، و2 مليار يورو من سنداته بنسبة 2.5% المستحقة في أكتوبر 2052، وذلك في ظل الاضطرابات الاقتصادية.
انخفضت عائدات السندات الألمانية لأجل 10 سنوات، والتي تُعتبر مقياساً رئيسياً، إلى 2.497% قبل أن ترتفع مجدداً إلى 2.65%، في مؤشر على لجوء المستثمرين إلى الأمان في ظل المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالرسوم الجمركية. ⁽⁷⁾

عائدات سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات: المصدر: ترايدنج فيو
تقوم الأسواق الآن بتسعير عدة تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة ابتداءً من شهر يونيو، كاستجابة لاحتمال حدوث تباطؤ اقتصادي، وهو ما يعكس كيف أن حالة عدم اليقين المتعلقة بالرسوم الجمركية قد غيّرت توقعات السياسات النقدية للبنك المركزي الأوروبي.
شهدت عائدت السندات في منطقة اليورو تقلّباً حاداً يوم الاثنين، حيث انخفضت عائدات السندات الألمانية لأجل عامين إلى 1.665%، وهو أدنى مستوى لها منذ أكتوبر 2022، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 1.801%. ومع وصول مؤشرات مقايضة التخلف عن السداد الائتماني إلى أوسع مستوياتها منذ أواخر عام 2023، يأتي إصدار السندات الجديد من الاتحاد الأوروبي – الذي تديره مؤسسات مثل بنك بي إن بي باريبا وبنك جي بي مورغان– في وقت عصيب. ⁽⁸⁾
لا يزال المستثمرون في حالة ترقب وقلق، وهم يوازنون بين مخاوفهم من حدوث ركود اقتصادي وبين نهج البنك المركزي الأوروبي الحذر تجاه التضخم.