شهد الاقتصاد البريطاني يوماً مضطرباً في ٢ يوليو، حيث قامت الأسواق المالية ببيع واسع للسندات الحكومية، ما أدى إلى تراجع الجنيه الإسترليني وارتفاع عوائد السندات.
جاء هذا البيع الجماعي بعد أن ألغت حكومة حزب العمال بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر خططها لخفض مدفوعات الإعاقة، مما أثار مخاوف من زيادة الضرائب وتضخم الدين العام. وقد تزامن القرار مع ظهور المستشارة راشيل ريفز بعاطفة واضحة في البرلمان البريطاني، الأمر الذي أثار شكوكاً حول التزام حزب العمال بإدارة السياسة المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تراجع حزب العمال عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية
كانت حكومة العمال، التي فازت بالانتخابات في يوليو ٢٠٢٤، قد حصلت على تفويض قوي لإصلاح المالية العامة. ومع ذلك، تراجعت الحكومة فجأة عن خطتها لخفض ٥ مليارات جنيه إسترليني (٦٫٨ مليارات دولار) من مدفوعات الإعاقة، بعد تمرد من نوابها. ⁽١⁾
كان الهدف من التخفيضات تقليص عدد المستفيدين من المساعدات الاجتماعية، مما يسمح بتوفير أموال للدولة وتحفيز المواطنين على العمل. ووفقاً لمعهد الدراسات المالية، فإن حوالي ١ من كل ١٠ أشخاص في سن العمل في بريطانيا يتلقون مثل هذه المساعدات. كانت الحكومة تهدف إلى تشديد معايير الأهلية لخفض هذه النسبة، وإعادة المزيد من الناس إلى سوق العمل، وتوفير حوالي ٥ مليارات جنيه إسترليني. ⁽٢⁾
لكن عندما أظهرت التوقعات الحكومية أن هذه التخفيضات قد تدفع ١٥٠ ألف شخص إلى الفقر، ثار نواب الحزب ضدها، مما أدى إلى اختلال التوازن في ميزانية الحكومة، وسط تحذيرات من اقتصاديين بشأن اتساع العجز المالي. ⁽٣⁾
معاناة حكومة العمال والسياسة المالية
كانت حكومة العمال تواجه بالفعل شكوكاً بشأن قدرتها على تمويل خططها الإنفاقية، وكذلك التزامها بالقواعد المالية التي فرضتها على نفسها. وتواجه المستشارة راشيل ريفز تحديات متزايدة قبل ميزانيتها المرتقبة في الخريف، في ظل الخسارة الناتجة عن إلغاء إصلاحات الرعاية الاجتماعية بقيمة ٥ مليارات جنيه إسترليني، بالإضافة إلى التراجع عن منح إعانات وقود الشتاء للمتقاعدين بقيمة ١٫٢٥ مليار جنيه إسترليني. ⁽٤⁾
كما تزداد هشاشة الوضع بسبب التوقعات السلبية المحتملة للنمو الاقتصادي من مكتب مسؤولية الميزانية، وهو الهيئة الرقابية المالية في المملكة المتحدة.
وتوقّع الاقتصاديون أن تؤدي هذه العوامل مجتمعة، إلى جانب هامش الحماية المالية البالغ ٩٫٩ مليارات جنيه إسترليني الذي احتفظت به ريفز في تحديثها الاقتصادي الربيعي، إلى قيام المستشارة برفع الضرائب في الخريف، وربما حتى تخفيف قواعدها المالية. ⁽٥⁾
مستقبل المستشارة ريفز المجهول
تواجه المستشارة ريفز، التي تولت منصبها على وعد بالاستقرار الاقتصادي والسياسة المالية الصارمة، انتقادات حادة. وبعد أن ألغت الحكومة إصلاحها الرئيسي في مجال الرعاية، دخلت ريفز إلى قاعة البرلمان لحضور جلسة أسئلة رئيس الوزراء وهي تبدو منتفخة العينين، بعد أن رفض ستارمر تأكيد بقائها علناً في منصبها. ⁽٦⁾
وقد غذّى تردد رئيس الوزراء في البداية تكهنات حول احتمال رحيلها. ويخشى بعض المستثمرين أن يؤدي تعيين مستشار جديد إلى تخفيف قواعد حزب العمال المالية، مما يسمح بمزيد من الاقتراض والإنفاق. لاحقاً، طمأن ستارمر الجمهور بأن راشيل ريفز ستبقى في منصبها حتى الانتخابات المقبلة. ⁽٧⁾
رد فعل الأسواق
مع تصاعد التكهنات حول مغادرة ريفز، قفزت عوائد السندات الحكومية لأجل ٣٠ عاماً بمقدار ١٩ نقطة أساس في ٢ يوليو، في أكبر ارتفاع منذ أبريل. وبيّن هذا الارتفاع مدى حساسية المستثمرين تجاه أخبار السياسة المالية في المملكة المتحدة. كما تراجعت الأسهم البريطانية، وانخفض الجنيه الإسترليني بنسبة ٪١ مع خروج المستثمرين من السوق، متشككين في التزام ستارمر باستقرار المالية العامة المتأزمة.
وكان هذا البيع الحاد مشابهاً لأزمة السوق التي شهدتها المملكة المتحدة في عام ٢٠٢٢، عندما أُطيح برئيسة الوزراء ليز تراس من السلطة بعد أن تسببت موازنتها المصغّرة الكارثية في زعزعة ثقة المستثمرين وارتفاع تكاليف الاقتراض. ⁽٨⁾
وقد تعافى الجنيه الإسترليني في اليوم التالي أمام الدولار الأمريكي، بعد تأكيدات رئيس الوزراء كير ستارمر بأن راشيل ريفز ستبقى في منصبها حتى الانتخابات المقبلة.