أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى ٤٫٥٪ يوم الأربعاء، متوقعًا في الوقت ذاته ارتفاعًا في التضخم وتباطؤًا في النمو الاقتصادي. كما أشار الفيدرالي إلى احتمال تنفيذ خفضين للفائدة خلال العام الجاري وسط استمرار حالة عدم اليقين التي تثير القلق.
نهج باول الحذر
منذ شهر كانون الأول ٢٠٢٤، لم يُجرِ الاحتياطي الفيدرالي أي تعديل على أسعار الفائدة، وهو ما كان متوقعًا من قبل الأسواق المالية. وقد أظهر “مخطط النقاط” للجنة السياسة النقدية (FOMC) استمرار التوقعات بتنفيذ خفضين للفائدة في عام ٢٠٢٥، مع تقليص التوقعات بمزيد من التخفيضات خلال عامي ٢٠٢٦ و٢٠٢٧. ويعني ذلك تخفيضًا محتملًا بمقدار ١٠٠ نقطة أساس، مع توقع أن يصل معدل الفائدة إلى ٣٫٤٪ بحلول عام ٢٠٢٧. ⁽١⁾

المصدر: الاحتياطي الفيدرالي – مخطط النقاط الذي يوضح مسارات أسعار الفائدة. المحور الأفقي يمثل السعر الحالي، بينما المحور العمودي يُظهر التوقعات المستقبلية.
في الرسم البياني أعلاه، يُمثل كل نقطة أحد أعضاء لجنة السياسة النقدية البالغ عددهم ١٩، ويُظهر توقعاتهم بشأن أسعار الفائدة. وقد توقّع ٧ أعضاء عدم تنفيذ أي خفض في أسعار الفائدة خلال عام ٢٠٢٥.
وقد أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خلال المؤتمر الصحفي، أن الفيدرالي سيتبع نهجًا صبورًا، وسيواصل مراقبة البيانات الاقتصادية الواردة قبل اتخاذ أي قرار بشأن السياسة النقدية. كما أشار إلى مخاطر التضخم الناتجة عن الرسوم الجمركية، لكنه أوضح أن التأثير لم يظهر بعد، مع إمكانية ارتفاع أسعار الطاقة بسبب التوترات المستمرة في الشرق الأوسط. ⁽٢⁾
التوقعات الاقتصادية: تضخم أعلى ونمو أبطأ
أصدر صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي توقعاتهم الفصلية المُحدثة للمرة الأولى منذ إعلان ترامب عن رسوم جمركية واسعة على شركاء التجارة الأمريكية – وهي رسوم جرى لاحقًا التراجع عنها أو تأجيلها.
ورفعت اللجنة توقعاتها لمعدل التضخم في نهاية عام ٢٠٢٥ إلى ٣٪ بدلًا من ٢٫٧٪، كما ارتفعت توقعات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (Core PCE) إلى ٣٫١٪ بدلًا من ٢٫٨٪. ⁽٣⁾
في المقابل، جرى خفض توقعات النمو الاقتصادي في عام ٢٠٢٥ إلى ١٫٤٪ من ١٫٧٪، بسبب تصاعد المخاطر الناتجة عن التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين في التجارة العالمية. كما توقّع الفيدرالي أن يبلغ معدل البطالة ٤٫٥٪ بنهاية العام، بزيادة طفيفة عن التقديرات السابقة. ⁽٤⁾
ضغوط ترامب لخفض الفائدة
واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعواته المتكررة لخفض أسعار الفائدة، منتقدًا باول ومطالبًا بخفض بمقدار ٢٠٠ نقطة أساس. ويؤكد ترامب أن أسعار الفائدة المنخفضة ستُساعد في تقليص مدفوعات فوائد الدين العام الأمريكي البالغ ٣٦ تريليون دولار، مما يُخفف الضغط على المالية العامة.
لكن الفيدرالي لا يزال حذرًا، إذ يخشى من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب إلى ارتفاع التضخم. وقد أظهرت بيانات الأسعار أن التأثير المباشر للرسوم لا يزال محدودًا، نتيجة ضعف ثقة المستهلكين.
ورغم أن المفاوضات بين الولايات المتحدة والدول المُستهدفة بالرسوم، وتراجع نبرة ترامب العدائية، قد خفّفت من حالة الغموض، إلا أن الفيدرالي لا يزال متأهبًا لأي تغيرات.
تحديات مستمرة أمام الفيدرالي
حذّر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي من أن البنك المركزي قد يواجه معضلة صعبة إذا تسببت الرسوم الجمركية في رفع معدلات التضخم وإضعاف النمو الاقتصادي. ففي حين تشير الضغوط التضخمية إلى ضرورة الإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة، فإن التباطؤ الاقتصادي يتطلب خفضًا لدعم النمو.
وقد أظهرت بيانات سوق العمل مؤشرات مقلقة، مع تزايد حالات التسريح وارتفاع معدل البطالة طويلة الأجل، في حين تراجع إنفاق المستهلكين. وسجلت مبيعات التجزئة انخفاضًا بنسبة تقارب ١٪ خلال شهر أيار، كما أشارت البيانات الأخيرة إلى تباطؤ في سوق الإسكان. ⁽٥⁾
كما يتوجب على الفيدرالي تقييم التغييرات التي يُجريها ترامب في مجالات أخرى، مثل قانون الضرائب والإنفاق الجاري بحثه في الكونغرس، والذي يهدف إلى تنفيذ بعض أولويات ترامب الاقتصادية الرئيسية، لكنه قد يؤدي إلى توسيع العجز المالي للولايات المتحدة على المدى الطويل رغم دعمه للنمو.