شهدت أسهم شركات الأدوية تراجعاً حاداً بعد توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً لخفض أسعار الأدوية، والذي قد يؤدي إلى انخفاض في الأسعار يتراوح بين ٣٠٪ إلى ٨٠٪ داخل الولايات المتحدة.
ويهدف القرار إلى جعل أسعار الأدوية في الولايات المتحدة مماثلة للأسعار في دول أخرى تُقدم الأدوية بأسعار أقل، ما أدى إلى موجة بيع واسعة في أسهم شركات الأدوية على مستوى العالم.
لماذا وقّع ترامب الأمر التنفيذي؟
أنشأ الأمر التنفيذي للرئيس ترامب سياسة تُعرف باسم “الدولة الأكثر تفضيلًا”، وتهدف إلى ضمان أن يدفع المواطنون الأمريكيون أقل سعر ممكن للأدوية الموصوفة، مقارنةً بأي دولة أخرى في العالم. وصرّح ترامب أن أسعار الأدوية الموصوفة تُباع حالياً بأسعار أعلى بكثير مما يجب، تصل إلى خمسة أو عشرة أضعاف الأسعار في دول أخرى، وهو ما يسعى إلى إنهائه. ⁽١⁾
ورغم أن بعض التخفيضات في الأسعار قد تدخل حيز التنفيذ فوراً، إلا أن تفاصيل السياسة، بما في ذلك طبيعتها والجدول الزمني لتنفيذها، لا تزال غير واضحة. وقد عزز هذا الغموض حالة من عدم اليقين، أدت إلى انخفاض حاد في أسهم شركات الأدوية حول العالم.
كيف يمكن أن تؤثر هذه السياسة على قطاع الأدوية؟
من المتوقع أن تؤدي هذه التخفيضات إلى تراجع في إيرادات أسهم شركات الأدوية. فأسعار الأدوية في السوق الأمريكية أعلى بكثير من نظيراتها في دول أخرى، وكانت هذه الفجوة أحد العوامل الأساسية لنمو إيرادات الشركات. وقد تؤدي التخفيضات المفاجئة إلى خسائر كبيرة، ما يثير المخاوف بشأن قدرة القطاع على تمويل البحث والتطوير. ⁽٢⁾
كما صرّح ترامب أن خفض أسعار الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في باقي أنحاء العالم، وهو ما تسبب بانخفاض إضافي في أسهم شركات الأدوية العالمية التي تراجعت جنباً إلى جنب مع نظيراتها في السوق الأمريكية. ⁽٣⁾
من المتوقع أن تمارس شركات الأدوية الأمريكية الكبرى ضغوطاً قانونية على القرار التنفيذي، تماماً كما فعلت في فترة ترامب الأولى حين تم إسقاط مقترح لخفض أسعار أدوية برنامج “ميديكير” في المحكمة الفيدرالية. ويزيد من الغموض عدم وضوح ما إذا كان القرار التنفيذي يشمل برنامج “ميديكير” أو برامج صحية حكومية أخرى. ⁽٤⁾
ردود فعل الأسواق
أثار الإعلان ردود فعل سريعة في الأسواق المالية العالمية. ففي الولايات المتحدة، تراجعت أسهم شركات أدوية كبرى مثل “جونسون آند جونسون” (JNJ)، و”إيلي ليلي” (LLY)، و”فايزر” (PFE)، و”ميرك” (MRK)، و”غيلاد”، و”بريستول مايرز سكويب”، و”أمجين” (AMGN) بشكل ملحوظ. كما سجلت شركات الأدوية الأوروبية الكبرى مثل “نوفو نورديسك”، و”أسترازينيكا”، و”GSK”، و”سانوفي” انخفاضات كبيرة.
وفي آسيا، سجّل مؤشر شركات الأدوية “توبكس” في اليابان أكبر خسارة يومية له منذ آب/أغسطس ٢٠٢٤، حيث تعرضت شركات مثل “تاكيدا” و”أستيلاس” لضغوط كبيرة بسبب اعتمادها الكبير على السوق الأمريكية.
ولم تكن التراجعات مقتصرة فقط على انخفاض الأسهم، إذ واجهت شركة “نوفو نورديسك” ضغطاً إضافياً بعد صدور دراسة أظهرت أن دواء السمنة “Zepbound” الذي تنتجه “إيلي ليلي” يتفوق في فعاليته على “Wegovy” الذي تنتجه نوفو، مما زاد من تحديات الشركة الدنماركية.
كما تأثر قطاع الأدوية الأوروبي بشكل عام، إذ تعتمد شركات مثل “روش” و”نوفارتس” على السوق الأمريكية في تحقيق ما بين ٤٠٪ إلى ٦٠٪ من إيراداتها، مما جعلها تخسر فرصة الصعود الذي شهدته قطاعات أخرى في الأسواق، في دلالة على تأثير القرار على نطاق واسع. ⁽٥⁾
إعادة تشكيل نظام الرعاية الصحية
تحاول الحكومة الأمريكية بالفعل السيطرة على تكاليف الرعاية الصحية من خلال برنامج التأمين الصحي الفيدرالي بموجب “قانون خفض التضخم” (IRA) الذي أُقر في عام ٢٠٢٢ في عهد الرئيس جو بايدن.
وينفق برنامج “ميديكير” مليارات الدولارات سنوياً لتعويض تكاليف الأدوية. وقد غيّر قانون IRA آليات تغطية الأدوية وسدادها في إطار “ميديكير”.
وبموجب هذا القانون، مُنحت الحكومة الفيدرالية صلاحية التفاوض المباشر مع شركات الأدوية حول أسعار الأدوية الموصوفة، بهدف توفير مليارات الدولارات، لكن النتيجة كانت تكاليف إضافية، وهو أحد الأسباب التي دفعت ترامب للنظر في إصدار أمره التنفيذي. قبل إقرار قانون IRA، لم يكن مسموحاً لميديكير إجراء أي مفاوضات مع الشركات المصنعة. ⁽٦⁾
ما الذي ينتظر قطاع الأدوية؟
قد تؤدي سياسة “الدول الأكثر تفضيلاً” إلى توفير مبالغ ضخمة للحكومة الأمريكية، ولكن من المرجح أن تؤثر بشكل كبير على مبيعات وأرباح شركات الأدوية الكبرى.
ومن المتوقع أن تطعن شركات الأدوية في أي أمر تنفيذي من هذا النوع. منشور ترامب على منصة “تروث” لم يحدد ما إذا كان القرار يشمل “ميديكير”، أو “ميديكيد”، أو برامج صحية حكومية أخرى، كما لم يوضح أي جدول زمني للتنفيذ. وستواصل صناعة الأدوية العالمية مراقبة التطورات عن كثب لمعرفة تفاصيل أكثر حول هذه السياسة.